تمثل الأبحاث و التقارير الطويلة للبعض ما يشبه الكابوس الثقيل الذي لا يفيق منه حتى يرى بأم عينه الدرجة التي حصل عليها بعض بعد إطلاع الأستاذ عليه! كانت مقررات اللغة الانجليزية هي أول عهدي بهذه التقارير التي تطلب منا بين حين و آخر، و الحق يقال أن نسبة كبيرة من هذه التقارير لم تكن نتاج أقلام الطلبة أنفسهم، كل شيء يتم عن طريق Copy & Paste و لسان حالهم يقول “الله يخلي الانترنت”، بهذه الطريقة عدنا بعقول عمان المستقبل إلى صفوف الروضة و التمهيدي حيث كان على الطالب قص صورة تبدأ بحرف الكاف و إلصاقها كواجب منزلي فأصبحت تقارير الطلبة الجامعيين عبارة عن قص و لصق أيضا!!
في أحد مقررات الكلية للغة الانجليزية حالفني الحظ للدراسة مع Mr. Ivory و كانت تلك هي تجربته الأولى للتدريس خارج وطنه كندا و التجربة الأولى لي في الدراسة على يد أستاذ عاجي مثله، بين تجربته الأولى وغرابة طريقته تعلمت معنى السرقة! أن تأخذ كلمات الآخر و تنسبها لنفسك هي السرقة التي يرتكبها عدد من التلاميذ في المدارس و الكليات للأسف! حاول Mr. Ivory أن يخرج أفكارنا و كلماتنا رغماً عنا فكان امتحانه الأول لنا أغرب من الخيال الذي حاولت أن أغوص فيه لعلي أفهم كيف يفكر هذه الأستاذ! فرقنا طاولات القاعة الدراسية فور وصولنا لها و قام Mr. Ivory حينها بوضع عدد من العلب و الصناديق على طاولته و قام بتوزيع أوراق الإجابة و كان السؤال بسيطاً في كلماته مثيراً للضحك على مصيبتنا فيه describe and compare! حيث توجب علينا وصف 15 زجاجة و صندوق و المقارنة فيما بينهم ثم أضاف مسطرة طويلة على الطاولة لمن قد يحتاج لها! رغم أني كنت و مازلت أشكو أحيانا من ضعف ذاكرتي إلا أنني مازلت أتذكر تلك الطاولة جيداً، فعلبة العصير الفارغة كانت تحتل الجانب الأيمن و زجاجة الزيت النصف ممتلئة و النصف فارغة كانت عن يسارها، زجاجة للماء من شركة معروفة تصنع المشروبات الغازية أيضا كانت تتوسط الطاولة، بينما احتلت علبة بلاستيكية شفافة أحد زوايا الطاولة تنام إلى جانبها المسطرة الخشبية الطويلة التي يقارب طولها 30سم!
طلب منا كتابة 50 وصف و مقارنه لما نراه أمامنا على الطاولة، لم نملك الوقت الكافي لابتلاع دهشتنا فالوقت ليس الصديق الأمثل في مثل هذه اللحظات، قام طالب وحيد بقياس طويل و عرض بعض العلب الموجودة على الطاولة بينما اكتفيت برسم تخطيطي للطاولة و ما عليها و قمت بترقيم العلب ليسهل علي المقارنة بينهم و بين وصف و آخر وجدنا أنفسنا مجبرين على كتابة ما نراه و ما تعلمناه بالفعل، لم أستطع أن أكتم ابتسامتي أثناء كتابة الامتحان لأني لم أتوقع أن أجد نفسي مجبره على عصر كل ما عندي في كتابة مقارنه بين 15 زجاجة وعلبة!
بعد هذا الامتحان خيرنا بين عناوين مقترحة للبحث الذي سيحمل 50% من درجات المادة، حدثنا يومها عن كلمة جديدة علينا و هي “Plagiarism” التي تقابل في المعنى مصطلح السرقة الأدبية، لم يكن من السهل علينا تقبل فكرة أن يأتي أستاذ من الجانب الآخر من الكرة الأرضية ليقول لنا و بكل وضوح ما كنتم تفعلونه يعتبر سرقة! الدهشة سكنت أعيننا و نحن نتفحص أصابعنا و أيدينا التي لم تقطع أثر سرقة كلمات الآخرين و تأكدنا حينها أن عقولنا هي التي قطعت حين سَرقنا بغير قصد و عن قلة فهم كلمات من الانترنت و نحن نقول “يسلم لنا Google ” و نعترف ببساطة بين زملائنا بأنه كله ” Copy & Paste” !
كما يعرف الجميع فالكتابة هي انعكاس لشخصية الإنسان و لثقافته و علمه و كان هذه هو الفخ الذي نصبه Mr. Ivory لمعرفة السارق و القبض عليه!
أنجزت البحث المقرر للمادة و بعد مراجعته Mr. Ivory كدت أكذب عيناني بما نقلت لي حين رأيت الدرجة التي منحني إياها في عليه! كانت أقل بكثير مما توقعته مما دفعني لسؤاله عن الأسباب لتأتي إجابة لم أتوقعها أيضا.
“I don’t feel that this is you! It does not look like Iman”
لم استطيع أن اخفي تعجبي من الإجابة و شرحت له أني أقوم عادة بمراجعة الأبحاث المطلوبة مني مع والدي العزيز و يصحح لي ما يراه من أخطأ و يعيد معي صياغة بعض الجمل التي لا ترضيه، حينها أضاف لي بعض الدرجات لأني أعتمد على أستاذ آخر-على حد تعبيره- مما يفسر له قليلا مستوى البحث الذي يشك فيه! أضاف لي بعدها أن المناقشة المقررة للبحث الأسبوع القادم ستحدد الدرجة النهائية للبحث لأنه سيكشف له الكثير و كان له ما أراد.
كانت تجربتي الأولى في مناقشة بحث و حاولت فيها أن أكون “إيمان” فقط كما ظهرت في البحث من خلال أسلوب النقاش و طريقة تسلق جبل الفكرة للوصول إلى قمة المعلومة التي تأخذ بالاستنتاج و بين المرح و مشاركة الطلبة حصلت على الإبهام المرفوعة لأستاذي العاجي و ابتسامة رضا عنت لي الكثير يومها!
حاولت بعدها أن ابحث أكثر عن موضوع السرقات الأدبية و القانون المتبع في بعض الكليات لمحاربه هذا النوع من السرقة، حيث شدني القانون المتبع في كلية مجان الجامعية الذي يمنح الطالبة درجة رسوب في كل المواد الدراسية لذلك الفصل إذا قام في سنة الأخيرة بسرقة جملة واحده فقط في أحد المقررات بدون توثيقها توثيقاً سليماً على طريقة HARVARD التي تدرس للطلبة هناك و يطالب الجميع بإتباعها و تستخدم الكلية برنامجاً خاصاً ليكشف السرقات الأدبية خاصة تلك التي يأخذها الطلبة مباشرة من الإنترنت. بينما لا تهتم بعض الكليات لهذا الموضوع فأين الخطأ يا ترى؟ هل هو في نظام تعليمي قام على فكرت قص و لصقت حتى في الامتحانات النهائية فيحاسب الطالبة على إنقاص أو زيادة كلمة هنا أو هناك في إجابته؟ أم أن الخطأ في عدم فهم السرقات الأدبية كجريمة يعاقب عليها القانون؟ أم أن لكم رأياً آخر…
نشر المقال في الفلق
مصدر الصورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق