الاثنين، 29 مارس 2010

الطريق الطويل، أن تكون الضحية والظالم معاً !


إذا كنت تبحث عن رواية تصيبك بالذهول فهذه الرواية هي الخيار الأمثل، الطريق الطويل مذكرات صبي مجند لكاتبها إشميائل بيه، أضم هذا الكتاب إلى قائمة الكتب القليلة التي تهز القارئ من الداخل وتترك فيه ندبة قرائتها، قلة هي تلك الكتب التي تدخلك في عالمها بكل ما فيها من مشاعر وأفكار وهذا الكتاب هو واحد من تلك الكتب النادرة التي لا تتكرر.
لم يكن إشمائيل بيه سوى فتى في الثانية عشر عندما لسعته الحرب في سيراليون[1] بأول شرارة يذكرها، وقتها لم يكن يعرف عن الحرب سوى ما يذكر في نشرات الأخبار، هذا هو حال سكان البلدان الآمنة، فتبدوا الحرب وكأنها فيلم سينمائي نراقبه من خلف الشاشات، هكذا بدت الحرب لإشمائيل بعيدة كأحداث فيلم، لم تكن وفود اللاجئين الذين مروا بقريته كافية لأن تغير نظرته للحرب –كشيء بعيد- رغم كل ما رآه في أعينهم إذ “كان من الواضح أنهم رأوا شيئاً تسبب في حالة الذهول التي تتملكهم[2]“، هكذا بدأ إشمائيل بيه روايته مذكراته، التي صدرت ترجمتها عن دار الشروق.
تتناول المذكرات مشاهد وأحداث من حياة إشمائيل في الفترة بين يناير 1993 إلى 1997، وهي الفترة الزمنية التي صادفت انتقال عدوى الحرب من بليبريا إلى سيراليون، يروي إشمائيل فيها حكاية صراعه من أجل البقاء حياً، فقضى أشهراً في الغابة يحاول البقاء حياً وحيداً، ويأكل من نباتات لا يدي إن كانت سامة أم لا، فيتذكر عائلته والحياة السعيدة التي عاشها، ويروي بعضاً من قصص جدته، كما ينقل في مذكراته معاناة مجموعة أطفال التقى بهم وجمعتهم محاولة البقاء على قيد الحياة فروى على لسان أحدهم” في كل مرة يأتي أناس إلينا وهم عازمون على قتلنا كنت أغلق عيني وأنتظر الموت. ورغم أني مازلت حياً، أشعر في كل مرة أسلم فيها للموت وكأن جزءاً مني يموت”[3]
كان خروجه من المنزل عادياً مع شقيقه وصديق لهما قاصدين مدينة مجاورة للاشتراك في حفل لاستعراض المواهب ويذكر الكاتب حينها، “لم نودع أحداً ولم نخبر أحداً إلى أين نحن ذاهبون. لم نكن نعلم ونحن نترك ديارنا أننا لن نعود إليها أبداً[4]“. يحكي إشمائيل عن حياة المراهقين واهتماماتهم في سيراليون، كانت موسيقى الراب شائعة في ذلك الوقت وتسابق الشباب في حفظ كلماتها وأدائها راقصين، كانت الحياة طبيعية وجميلة، رغم أخبار الحرب التي كانت تتردد، كأن الجميع أجمع على رفض الاعتراف بقدوم الحرب فعاشوا حياتهم اليومية غير مبالين بأخبار الحرب.
رغم موضوع الرواية الأساسي وهي الرواية عن الحرب إلا أن اشمائيل استطاع أن يعطي صورة جيدة عن الحياة في سيراليون، فقد تكلم عن حجاب جده وكيف أنه صنعه له كي لا ينسى شيء من العِلم! وتكلم عن الإسلام والصلاة في المساجد هناك، ولم يخفي بعض الأقوال الجميلة التي يرددها كبار السن، كـ”لا بد أن نتطلع لأن نكون مثل لقمر” التي كان يكررها عجوز في كاباتي و”هو مثل يراد به تذكير الناس بأن يلجأوا دائماً في تصرفاتهم إلى أفضل السلوكيات، وأن يكونوا مهذبين مع الآخرين”[5] هكذا شرحت جدة إشمائيل هذا المثل له، واستعاده الكاتب وهو يصارع واقعه المحارب، أيام قليلة مضت كانت الحياة هانئة أنيسة.
لم تتوقف معاناة إشمائيل عند الهروب من الحرب ومحاولة البقاء على قيد الحياة فقط، إنما صادف أن طلبت السلطات تجنيد كل من يستطيع حمل السلاح في إحدى القرى للمشاركة في الحرب، ضُم اشمائيل ورفاقه إلى المجندين، تم تدريبهم على حمل السلاح واستخدامه وحقنوهم بالحقد والكره، قيل لهم أنها فرصتهم للإنتقام! “أهذه هي الطريقة التى تطعن بها شخصاً قتل عائلتك؟[6]” لم تكتفي القوات بحقنهم بالحقد بل راحوا يزودونهم بالمخدرات كالكوكايين والماريجوانا لإبقائهم بأعلى نشاط ويقضه ممكنة أثناء المناورات والمعارك، وهكذا تحول إشمائيل من هارب من الحرب إلى جزء منها إلى أن أنقذته اليونيسيف مع مجموعة مع رفاقه لإعادة تأهيلهم وعلاجهم من المخدرات وآثار الحرب في نفوسهم، كان اشمائيل وقتها في الخامسة عشر من عمره، حين تم دمجه في المجتمع وقرر بعدها الهجرة إلى الولايات المتحدة حين درس وتخرج وأصبح عضواً في اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في قسم مراقبة حقوق الطفل.
أن تكون فتى في الثانية عشر بدولة كسيراليون المطلة على المحيط الأطلنطي في زمن الحروب الأهلية هي حكاية إشمائيل، أن تكون المظلوم في حرب لِمَ أتت على قريتك وأهلك وفرقت كل أصدقاءك هي أيضاً حكاية إشمائيل، وأن تكون الظالم دون أن تدري محموماً بالإنتقام هي أيضاً حكاية إشمائيل، وأن تعرف أنك خُدِّرتَ لتصبح آلة حرب لمصالح كبرى دون أن تدري هي مذكرات هذا الصبي المجند.

لـ : إيمان فضل
الصورة والموضوع من سبلة عُمان، الصحيفة الإلكترونية

الثلاثاء، 23 مارس 2010

بابانويل في يوم الشعر!!

بابانويل في يوم الشعر، !!

بابانويل يا رفاق يدور حول الشمس، ولأن الغزلان لم تتحمل حرارة شمس مسقط، فقد شهدنا في الأمسية كيف يكون الشِعر حين يُغشى على غزلان بابانويل بسبب الحرارة في مسقط الفستقية العيون! لم يوزع بابانويل الهدايا لم نفرح لم نشعر بشيء لم نبكي لم نضحك لا شيء!

أتعرفون لماذا؟ لأن بابانويل يأتي ليلاً فقط في الخرافة وحين تُفتعل القصيدة وتجبر إجباراً على الرقص على أنغام بيانو تصبح القصيدة قطعة ثلجٍ بلا رائحة بلا إحساس!

حضرت الأمسية وليتني لم أفعل!

الشعر شعور –في نظري البسيط- فخرجت متلبدة المشاعر، آسف لأني لم أستطع فَهم القصائد ولا تخيل بابانويلكم!

للحقيقة فقط أجادت عائشة السيفي في بعض قصائدها وكانت تقطعة السكر التي منعت طفلاً من البكاء!

لم استطع أن أصفق، لم ابتسم لم أحزن لم أغضب لم أشعر الشعر!! هل أصبحت كائنا فضائياً؟! هل من علاج لحالتي أم أنني لست الوحيدة!!!

أمطري يا سماء!

كفاني هذا ولم أكمل الجزء الثاني الغير رسمي من الأمسية!

لا أنسى للأمانة أيضاً... المكان جميل، التنظيم جيد، أتمنى أن تقام أمسيات أخرى هناك

لمعلومات حول الأمسية

http://www.omania2.net/avb/showthread.php?t=706825


الثلاثاء، 2 مارس 2010

وللكتاب الأول سحرٌ لا فلاة منه

اكتشفت متعة القراءة في سنواتي الأخيرة بالمرحلة الابتدائية، وقد جاء اكتشافي متأخراً جداً! شكرت مجلة ماجد -في سري وعلاناً الآن- لأنها أصدرت سلسلة أيام عربية، هي رواية قصصية مبسطة للأطفال لأشهر أيام العرب - منها يوم ذي قار ويوم الحارث- قدمها الكاتب الكبير محمد المنسي قنديل بأسلوب سهل وبديع، استطاع المنسي أن يأسر تلك الطفلة الصغيرة التي تنقلت بين الكتابين كطفلة تذوق الحلوى للمرة الأولى في حياتها! رغم أن سلسلة أيام عربية صدرت عن مجلة ماجد مستهدفة الأطفال، إلا أني مازلت أنصح صديقاتي بالاطلاع عليها وأحتفظ بها، للكتاب الأول سحر لا فلاة منه!كتابي الأول كان مدخلاً إلى عالم القصص السحري، كل ما سبقه لم يعد يحفر في ذاكرتي الكثير، ما زلت أذكر كيف كنا - أنا وشقيقي وأبي ـ نذهب مشياً إلى أقرب مكتبة صباح الخميس لشراء مجلة ماجد - طبعاً بعد كتابة الواجب والمراجعة!!- رغم أن مجلة ماجد دخلت المنزل مبكراً إلا أنها لم تترك بذاكرتي ذلك الأثر الكبير، في حين كانت قصص مجلة زهرة الخليج التي يحكيها لنا والدي قبل النوم أهم من ماجد الملونة المصورة وكل ما فيها! -استثني من هذا متعة البحث عن فضولي- جذبتني كطفلة في سن صغيرة القصص المحكية سواء من كتاب أو مجلة أو من التراث الشعبي كحزايات (القصة في اللهجة الدارجة في ظفار) جدتي، جاء المنسي قنديل وأنساني كل هذا مما يجعلني ألتفت إلى سلسلة أيام عربية كالاكتشاف الفعلي لمتعة القراءة! لذا لم تدرك معلمة التاريخ سر شغفي بالتاريخ الذي أصبح - في مفهومي الطفولي- حصة للقصص!الأطفال في تلك السن كانوا يعيدون اكتشاف الجاذبية الأرضية باللعب بالأحجار، ويعيد البعض اكتشاف النار! كل ذلك لم يكن يعنيني وقتها فقد كنت أعيد اكتشاف القراءة وكانت اكتشافاً باهرةً جداً!كنت ابحث دوماً عن دهشة الكتاب الأول، عن دهشة الاكتشاف ومتعة المعرفة، تنقلت في قراءاتي بين ديوان إيليا أبو ماضي ومجموعة لنجيب محفوظ، قرأت الكثير عن الفراعنة وقصصهم المبسطة للأطفال، قرأت لأبي القاسم الشابي، وقرأت لنازك الملائكة وجبران، وكان لبهاء طاهر حضور في ذكريات قراءاتي الأولى برواية "خالتي صفية والدير" وغصبت في أحداثها حتى حلمت النيل يسري أمام عيني!منذ تعرفت على معرض الكتاب وأنا أحلم بأن أشتري كل كتب المعرض! قد كبرت تلك الأمنية في عقلي الصغير إلى حلم العمل في مكتبة، وقد تتخيلون كم من وقت العمل سأقضيه فالقراءة مسحورة متناسية وظيفتي! كذا كان اشتراكي في جماعة المكتبة هي الفرصة المناسبة للذهاب لمعرض الكتاب صباحاً برحلة مدرسية- ومن زار معرض الكتاب صباحاً يدرك ولعي! - حيث لا زحام ولا اختناق، تعلمت الكثير من جماعة المكتبية بمدرسة شاطئ القرم، صحيح أنها لم تكن جماعة ذات فعاليات وأنشطة عديدة كما أتمنى، وكانت استعارة الكتب وإعادة تنظيمها أهم ما يدور في أشهر قد تطول، لكن لا يمكنني أن أنكر المعرفة التي اكتسبتها خلال عامين بجماعة المكتبية!لا أخفي عليكم أني مازلت أرتب مكتبتي الصغيرة الخاصة بنظام ديوي العشري بصورة مبسطة، قد أصحب تنظيم المكتبة بهذه الطريقة - وهي التي استخدمت في مكتبة المدرسة- هي الطريقة التلقائية لدي لتنظيم مكتبتي! بعض الخبرات تتراكم وتخرج بصوره تلقائية منا دون أن ندري، قد يكون معرض الكتاب دافعاً لي للتأمل في مكتبتي البسيطة حاملة نسختي من سلسلة أيام عربية للمنسي قنديل يحكي لي فيها قصة يوم ذي قار! وللكتاب الأول سحرٌ لا فلاة منه... ومازلت أبحث عن كتاب يدهشني.

نشر هذا المقال في جريدة الوطن ملحق اشرعة بتاريخ 2 مارس 2010

إيمان فضل