السبت، 2 مايو 2009

سياحة القصص

"كانت المدينة الأثرية تختفي بعد الغروب، تُغلَق أبوابها علي من بقي بداخلها من بني البشر، فتختفي الطيور التي تسكن البرك المائية ولا يعود لها أثر، كلما توغل ظلام الليل بتلك المدنية ازداد المكان وحشة، فلا يعود للصوت معنى ولا للحظات فواصل، عندما تقارب الساعة الثانية والنصف فجراً ينطق كل حجر في المدنية بصدى أصوات المعذبين والمحبوسين فيها، صدى بكاء الأطفال لا يتوقف، يخترق الآذان، كل شيء شبه ميت وشبه حي في هذه المدينة، مازالت رائحة البخور منبعثة من جدرانها القديمة تعطر المكان وتروي قصة للظلام كل ليلة بعد الغروب"

لكل أرض قصة وحكاية وكل حكاية رواية تُعبِّد الطريق لشهرة القاص والمقصوص عنه، فما كانت قصص كبار الأُدباء لتمر دون أن تترك أثراً في نفوس قرائها وإن آمن الأغلب بأنها قصص تحتمل نسبة من الخيال كما قد تحمل نسبة من الواقعية فكل خيال مبني على واقع جزئي.

القصص تمثل أحد وسائل الجذب الغير مستغله –للأسف- في الجذب السياحي، فما قد تتركه القصص من أثر نفسي ورغبة عميقة في زيارة المكان ما قد تعجز عن بلوغه وسائل الإعلان الأخرى، فلا يمكننا أن نتجاهل ما اكتسبته الأهرامات من شهره على شهرتها برواج حكايات لعنة الفراعنة، تلك اللعنة التي تصيب من يدخل للأماكن السرية في الهرم –كما تقول إحدى القصص- أو تلك اللعنة التي أصابت من حاول سرقة شيء من الهرم –على حد تعبير قصة أخرى!- مدى واقعيه هذه الأفكار أو امتزاجها بخيال الكاتب يدفع السائح للبحث عن الحقيقة بزيارة، دعوني اسميها هنا سياحة القصص ولتكن سياحة البحث عن حقيقة مزجت بروعة الأدب وخيال خصب، فكان الأدب ومازال المادة الأولى لكثير من روائع الفن السابع الذي يُعد أداة الجذب الأكثر فعالية حالياً في السياحة، لم يكن فيلم المومياء بجزئية الأول والثاني مجرد فيلم عابر، فقد قام –بقصد أو بغير قصد- بتعميق تلك الرغبة التي يحملها الآلاف لزيارة الأهرام وقد ولدت لدي رغبة أقوى من السباقة في زيارة مصر!

قصة رادوبيس لـنجيب محفوظ -التي قرأتها مخلصة في كتاب للأطفال- كانت الباعث الأول لرغبتي بزيارة مصر، إلا أن رادوبيس لم تكن الوحيدة إنما أتبعتها روايات أخرى على مدى سنوات، وقد شاهدت –ويشاركني كثر- عدداً ليس بقليل من أفلام –حتى أفلام الكرتون- تطرقت للعنة الفراعنة أو قصص مصر القديمة وتاريخ مصر كان لها عظيم الأثر دفع أحلامي السياحية اتجاه مصر!

رواية "واحة الغروب" لبهاء الطاهر أحيت بي تلك الرغبة لزيارة واحة "سيوة" و بقايا معبد " أم عبيدة " وكل تلك الآثار التي تحدثت عنها الرواية، مما أنبت بي فضولا يسأل "هل يا ترى سنجد معبداً إذا غصنا في ماء البحيرة؟" يظهر أن قائمة الأماكن التي أود زيارتها في مصر منبعثة من القراءات التي مرت علي، فالأهرام ووادي الملوك وواحة سيوة كلها قرأت عنها وشاهدت البعض -كغيري- على شاشات الفن السابع!

إذا أحكمت حقيبتي قاصدة رومانيا فبلا شك سيكون قصر "الكونت فلاد تيبيس" في إمارة "ولاتشى" أول ما أفكر في زيارته، "فلاد تيبيس" الذي عُرِفَ بالدراكولا لم يكن يعرف بأنه سيكون سبباً في حراك سياحي في إمارته، إذ استغلت حكومة رومانيا قصة دراكولا في السياحة –وإن كنا نعرف أنها كِسرة من حقيقة ورغيف من خيال- إلا أن رومانيا كانت فطنه في استغلال رواية الروائي الايرلندي "برام ستوكر" في السياحة، وقد كانت الرواية بعنوان "الذى لا يموت" وقد كتبت عام 1897 قبل أن يتم تغير الاسم إلى دراكولا، ابن الشيطان أو دراكولا هي رواية ذات نسخة واحده فقط مكتوبة بخط يد "ستوكر"، وتم استغلال فكرة "برام ستوكر" في عدد من الأفلام والمسلسلات التي أعطت رومانيا حركة سياحية ومميزة بالرعب!

عندما أتحدث عن ما أحببت تسميته بـ"سياحية القصص" فإنني أنظر متعجبة إلى غياب هذه الفكرة عن السلطنة، إذ تحتضن عُمان قصصاً منحوتةً في ذاكرة المكان؛ إلا أنها وللأسف لم تستغل بشكل كافٍ في الأدب وفي السياحة، لكل باب في الحصون قصة ورواية، رممنا الحصون والقلاع ولم نرمم القصص التي تدعم السياحة وتثري الزائر لهذه الأماكن.

من المناطق الجميلة التي تملكني الدهشة من قصتها كانت منطقة ميناء ريسوت بظفار، إذ تروي قصص الأجداد قصة معركة قامت بين البرتغاليين وبين سكان المنطقة وكانوا من قبائل القرى ، المنطقة الآن لا تحمل إشارات و دلالات واضحة للمعركة التي دارت هناك إلا أن سكانها يعرفون تماماً ما حدث، ويعرفون كيف تغلب أجدادهم على جيش البرتغال بذكاء، حيث استخدم البرتغال بنادق البارود في معارك صغيرة كانت تودي بحياة عدد كبير من السكان الذين استخدموا أسلحة تقليدية، وبعد تفكرهم في طبيعة البنادق قرروا خوض معركة حاسمة مع البرتغال في يوم ماطر لتعطيل بنادق البارود، كان السكان قد منعوا الماء عن أبقارهم وجعلوا بئر الماء خلف صفوف البرتغال، تقدمت الأبقار جيش السكان وأطلقوها ساعة المعركة، فاندفعت الأبقار تدهس الجيش البرتغالي لتصل للبئر الماء خلفهم، وتعطلت بنادق البرتغال لم يقع الكثير من القتلى في صفوف السكان، وهكذا هزم جيش القائد البرتغالي فرناندس ومازالت –كما يقول جدي- مقابر البرتغاليين معروفة إلى الآن في تلك المنطقة.

هذه واحدة من القصص التي تحكي حكاية المكان، حكاية تروي شطراً من التاريخ الذي يقدم للسياحية ما لم تقدمة الإعلانات والمخطوطات، ريسوت أصبحت الآن لا تُعرف إلا بالميناء الذي أقيم به، رغم أن التاريخ قلدها قلادة حين انحنت لتقول له سيكون لي شطراً منك فمن تجارة اللبان إلى هجوم البرتغال وهي محط معارك وأحداث تاريخية كان لها الأثر الكبير في تاريخ عمان، وكذا مناطق أخرى أهداها التاريخ حكاية تنتظر أن يفتحها أهلها ويعرفوا العالم عليها.

راودني شك وأنا أكتب هذه المقال فيما إذا كان نجيب محفوظ أو بهاء طاهر يعملان في وزارة السياحية المصرية، هذه الكلمات هي دعوة لنظرة جديدة إلى السياحية عن طريق الأدب، نستطيع جذب السائح/القارئ بالقصص والروايات، يمكننا تسويق السياحة داخل عُمان وخارجها بالأدب.


إيمان فضل

الاثنين، 27 أبريل 2009

رائـحـة الـمـطـر..



رسائل برائحة المطر ..



(1)

......عذرا كان علي أن أهرب .. كان علي أن أسبق سيل الذكريات المنبعث من رائحة التراب بعد المطر، كانت تمطر بخفه و تبعث ذكراك مع كل قطره ، أهي الصدفة وحدها التي جعلت صوت المطر على نافذتي اقرب لصوت لوحة مفاتيحك !! تشبيه غريب – قد تفكرَّ – لكن صوت المطر على نافذتي يشعرني بالوحدة كما تشعرني صوت لوحة المفاتيح عندما تبدأ بالطباعة وأنا أحدثك عبر الأقمار الاصطناعية عن قلبي ، آه .. أذكرُ ضحكاتك ذات شتاء حين أكدت لي بأني أطبع بنغمة مميزة على لوحة المفاتيح لا يمكنك أن تخطئها ! كيف أصبح صوت لوحة المفاتيح صوت الوحدة ؟ أ لأنك تبدأ بالطباعة عندما تمل من صوتي ؟ أم لأني أبدأ في الطباعة عندما أجد ما هو أهم من صوتك الدافئ ؟ لا... ليس هناك ما هو أهم من صوتك، كانت حماقة مني، فهل تعذر ؟

رائحة المطر تبعث ذكراك بشكل وحشي، لم يكن لدي أي خيارٍ سوى أن أحاول الكتابة، هي محاولة هروب جريئة بلا شك خاصة وأنها قد تنتهي بموت قلبي من فرط الألم أو الحزن، أو كلاهما معاً ...

آه كم تعذبنا قلوبنا الصغيرة ..


دعني أذكرك بما حدث ذات خريف، حين جمعتنا الصُدَفُ وباركتنا عاشقين تحت المطر! مضحكٌ فعلاً ما كنا نقوم به ! كنا نلاحق الضفادع ونراقب حركتها ! أذكر أنك قلت لي يوماً بأنك نَفَسَكَ في العشق أطول من نفس الضفدع تحت الماء ولم أفهم قصدك! الآن فقط أدرك معنى قولك !

نعم لم أكن مستعدة لتجربة كتلك، ولم أكن قادرة على تحملها وحدي والآن علي أن أشكرك لأنك أتحت لي الفرصة لأن أعيشها بكل فصولها ..



(2)



ألم أقل لك بأنك تجربة لم أكن مستعدة لها ؟ نعم، حتى هؤلاء لم يكونوا مستعدين للقراءة عنك !!

كانوا يترقبون قلبي .. يتحسسون جدرانه باحثين عن ثقبٍ أو شق .. انتظروا هذا الانفجار طويلاً .. لكنهم لم يتوقعوه بهذا العمق !

والآن بدأ من بدأ بجمع الجمرات استعداداً لرجمي!! لا تستغرب كل هذا لأني كتبت عنك !

وبدأت النساء بحياكة القصص والحكايات عنك وعني .. وحدهم الكذبة من يختلقون الحكايات ..

كل هذا لأني اعترفتُ بأنك لم تكن طقساً عادياً، كنت كغزل الرذاذ مع خيوط الشمس، أتذكر حين ركضنا سوياً باحثين عن جرة الذهب أسفل قوس قزح!؟ أتذكر جدتي حين قالت بأن الجرة أسفل قوس الألوان ستحقق كل أماني من يعثر عليها ؟؟ ولكن ما هي أمانينا ؟؟ وهل تحققها جرة ذهب؟؟

وما نحن الآن؟؟

هل انتهينا؟ هل انتهي كل شيء فعلاً؟!

أنها الواحدة بعد منتصف الليل الآن ..

أعرف أنك لم تعد تعير الوقت اهتماماً فكل الساعات التي أهديتك أعدتها لي إمعانا في تعذيبي !!

فهل نكره من أحببنا بقدر حبنا السابق له !؟!؟ هل استطعت أن تكرهني لهذه الدرجة !!

دعني أضع بعض الحروف على النقاط .. لا ليس هذا خطأً مطبعياً، سأضع الحروف على النقاط لأملأ فراغ غيابك و عذابي ..

أولاً : أنا إنسانة لي قلب

ثانياً : لم أكن أعرف الكره قبلك

ثالثاً : أكرهك الآن بكل قواي فرد لي قلبي كما كان ..

فـهل الكره نهايتنا ؟؟

مهلاً ..

مهلاً ... ما جدوى النهايات إذا لم نكتب بأنفسنا البدايات؟؟

أنت تعرف أن قصتي معك كانت نقية .. أفلا تخبرهم !؟

لماذا ارتديت الصمت ؟! هم يحاولن الآن رجمي ...

يستخدمون أحجاراً كريمة ملفوفة بأسياخ ٍمن الذهب ...

قال أحدهم .. إحساسك صادق ،، بلا شك هو لا يستحقك ..

منافق !

سُخف!

من منا لا يستحق الآخر ؟؟

من منا لا يستحق هذه المشاعر ؟؟ من منا خاف البلل حين ارتفعت بنا الأمواج !؟

آآآآآآآآه يا فيروز صوت يزن في أذني ..

(من يركب البحر لا يخشى من الغرق ..)

و نحن نخشى البلل !!

سُخف !

أنها الواحدة بعد منتصف الليل الآن ..

هم يحاولون الآن رجمي لأني ... لأني أنثى أجرمت حين أودعتك قلبي لترعاه ..

يحاولن تجريدي من سري الجميل المعلن - حبك - ..

يحاولن إبطال مفعول لذله هذا السر ..

ألا تنقذني !؟ منهم ومن نفسي ومنك ؟!

ألا تفي بوعدك !؟ ألا تأتي كالحكايات ممتطياً حصاناً أبيض أو بساط سحري، أو حتى عبر الأقمار الاصطناعية!؟!

لا عليك .. لنعد إلى موضوعنا ...

دعك منهم الآن ولنعد لنا نحن .. أو لما كناه ..

هل يهمك فعلا أمري الآن ؟؟ و قد أصبحنا فعلا ًماضي !!

إنها الواحدة من بعد منتصف الليل الآن ..

انتهي سحر الجدة عند انتصاف الليل .. لم أترك حذائي كسندرلا الليلة، أعرف أنك لن تتبعني .. عدت لأكتب لك هذه الكلمات أعرف بأنك لن تقرئها فقط أردت أن اكتبها لك ..


1:41 صباحاً


27\ 8 \ 2006


إيمان فضل