الخميس، 22 يوليو 2010

الوظيفة: مهندس..!


(1)

بخرتني أمي ببخور رخيص اشتريته من طفل كان نائماً عند محطة الوقود، أخذت أمي ترتل المعوذات وأدعية عديدة قبل أن ألفتها بأني سأتأخر على التاكسي الذي سيوصلني للمقابلة “الله ينصرك، الله ويوفقك، الله يرزقك الوظيفة اللي ترفع الرأس..”

نعم الوظيفة اللي ترفع الرأس، خرجت من البلد مع آذان الفجر، صلينا مع سائق االتآكسي وإنثنين بمسجد مهجور في الطريق، دعوات أمي كانت مهمة لي “الوظيفة اللي تفرع الرأس” هذا ما أبحث عنه، راجعت أوراقي ومؤهلاتي مع خيوط الشمس الأولى..

بكلوريوس هندسة إلكترونيات بدرجة امتياز، تدريب 6 أشهر في شركة “و”، ومجموعة شهادات تقدير من الكلية وشركة “و” التي تدربت فيها قبل أن أتركها منذ ثلاثة أشهر تقريباً!

وصلت لشركة “و.ن” مبكرا ،ًانتظرت في الاستقبال إلى أن صاح بي أحدهم “مدير الموارد البشرية ينتظرك..”

دخلت وأنا أشعر بصدى صوت أمي يرافقني ..



(2)



تدربت في شركة “و” لمدة 6 أشهر، وعملت بالمثل القائل “قد يوظفوك بعد التدريب لا تتعجل”، هم لم يكلفوا أنفسهم بدفع مبلغ 10 ريال التي كنت أستلفها من ابن جارنا لإيجار الشقة التي أتشاركها مع وافد! 10 ريال في 6 أشهر تساوي 60 ريال دين على رقبتي، لم أخبر بها أهلي، ناهيكم عن المصايف الأخرى للتاكسي والطعام وغيره! ولن أتذمر وأقول أني كنت أعمل للساعة السابعة ونصف مساءاً كل ليلة وأنجز ما لا ينجزه أصغر موظف لديهم، حسناً ستقولون بي حماس الباحثين عن عمل، وستقولون بي حماس الخرجين لكن شهادات التقدير تحكي ما لا أحكيه عن حالي!

توقفت عن التدريب حين سألت موظفاً في الموارد البشرية عن موعد توظيفي فأخبرني بأني لست من المرشحين للتوظيف لأن مدير القسم ينتظر تخرج ابن أخته الشهر القادم والوظيفة محجوزة له!



(3)

تفتت أحلامي كقطعة بسكويت بيد طفل! لم تسود الدنيا في وجهي فقط كما يقول البعض لكن حتى رفيق الغرفة كان باكياً شاكياً بلغة التي لم أفهم نصفها، حاولت أن أعرف منه ما حدث معه وبصعوبة فهمت أن أمه في المستشفى وأنه يريد العودة لبلده، ولأنه “هارب” فعملية عودته صعبة حالياً، جلست معه لأول مرة منذ 6 أشهر يشكي فأسمعه أشكو فيسمعني..

لم يمض يومان حتى حللت مشكلة الرفيق وحزم ماله ليعود لبلاده، وما كان منه وهو يودعني سوى أن يترك لي عدة العمل الخاصة به وهو يقول.. “هذا مشان أنت، أنت نفر واجد زين، روح شركة وسوي شغل سالري واجد زين” ومد لي بطاقة بها اسم مدير الموارد البشرية في شركة “و.ن”..

لم تكن عدة العمل التي تركها لي رفيق سوى “دلو وخرفة بالية ومساحة زجاج”، ظننته أن يعمل على غسل نوفد الشركة، إلا أن اتصالي في الصباح بمكتب مدير الموارد البشرية أكد لي أن الرفيق يغسل سيارات موظفي الشركة! وأكد لي منسق المدير إن الشركة ستكون سعيدة بعملي مكانه بشرط المحافظة على السعر 5 ريالات لكل سيارة في الشهر بواقع 150 سيارة، إضافة إلى ريال لمن يطلب مني تنظيف سيارته من الزوار وسأحصل على وجبة مجانية من الكفتيريا يتكفل العامل هناك بإحضارها لي..

“سأفكر ..” وأغلقت السماعة..



(4)



خمس ريالات لمائة وخمسين سيارة توفر لي حوالي 750 ريال كل شهر! فلِـمَ لا أوافق!

حرصت على تلطيخ وجهي بتراب ونفش شعري كي لا يَتعَّرف علي أحد، أخذت الماء من مسجد مجاور وبدأت العمل، كنت أغسل كل السيارة مرتين كل أسبوع، كان العمل شاقاً في البداية إلى أن اعتدت عليه، هناك أكثر من 150 سيارة لكن البعض يرفض أن أقوم بغسل سيارته ويطلب مني غسلها في أوقات متفرقة من الشهر، أصحبت أغسل ما يقارب 3 سيارات لزوار كل يوم أي ما يقارب 60 ريالاً إضافياً كل شهر..



راتب 800 ريال كل شهر هو أكثر مما حلمت به، لكن أمي لم تكن بذات سعادتي حين شرحت لها “طبيعة عملي” كمهندس غسيل سيارات..

إلا أني وجدتها فرصة للتقرب من مدير الموارد البشرية، الذي كنت أحرص على غسل سياراته يومياً، وكنت أبالغ في غسلها مرتين في الأيام التي أسأله فيها عن صحته والعمل والعلوم.. من هذه العلوم شكوت له بحثي عن عمل لعامين ونصف فوعدني خيراً بعد أن سلمته في اليوم التالي أوراقي … ووصلني اتصال من منسقه لمقابلة شخصية للعمل في الشركة..



(6)



-السلام عليكم..

-وعليكم السلام، هذا عقد العمل أنا خلاص وقعته بطلع الآن خلي سالم يكمل معك الإجراءات..

كان سالم الموظف المهندم يرتب بعض الأوراق على مكتب مديره، ابتسم حين رأى الدهشة تقطر من وجهي، فقد جئت لمقابلة ولم أتوقع أن أجد عقد العمل جاهزاً!

-مبارك عليك الوظيفة أخوي، أكيد واسطتك قوية ما شاء الله..

-الله يبارك فيك، توقعت أني داخل مقابلة لكن الحمد لله..

-الحمد لله، الآن عليك تشوف العقد وتوقع عليه قبل ما تستلم الوظيفة اليوم..

قلبت الأوراق بين يدي، تعليمات ومعلومات حول الشركة وحقوق الموظف والشركة وكلام لا يهمني الآن الأهم هو “كـم؟”، ترددت قبل أن أسأل سالم الذي تحول لترتيب بعض الملفات في مكتبة المدير..

-عفواً أخوي وين أحصل الراتب؟

ضحك وقال …

-الراتب آخر الشهر في البنك

يظن هذا السالم أن روح الدعابة مرتفعة لديه، لم أستطع مجاراته والضحك معه فقام من مكانه وفتح لي الصفحة الأخيرة وأشار إلى رقم كتب بخط أحمر.. 350 ريال!

___________________

بقلم: إيمان فضل



نشرت في صحيفة سبلة عُمان الإلكترونية

الخميس، 8 يوليو 2010

على الرَّف: البط الدميم يذهب إلى العمل!


هذا الكتاب الفريد من نوعه يجمع بين قصص الأطفال الخيالية وبين علم الإدارة، ويقدم لنا كتاباً يصلح لكل أفراد العائلة، الغلاف الطريف قد يدفع الأطفال حولك للسؤال عن الكتاب، فلا تقلق فستجد ست قصص أطفال موزعة في ستة أقسام من الكتاب، يمكنك بكل بساطة أن تقرأ إحدى هذه القصص للأطفال، وما أن تصل إلى آخر صفحات القصة حتى تبدأ رحلتك في عالم الإدارة وترى كيف تنطبق هذه القصة على حياتك العملية!

يقدم الكتاب مجموعة من قصص الأطفال للكاتب الدنماركي هانز كريستيان أندرسون، إذ تأتي القصص كمقدمات للفصول، يستطيع القارئ اختيار قراءة القصة كاملة أو ملخصها ثم تقدم له ميتي نورجارد تطبيقات هذا القصة بمجال العمل، رغم إشارة ميتي أنها قامت ببعض التعديلات البسيطة على القصص إلا أنها لم تتعدى مسألة تصحيح ترجمات القصص السابقة لأندرسون التي يعرفها الكبار والصغار.

من القصص التي يحتويها الكتاب قصة "ملابس الإمبراطور" المغرور الذي لم يكن يهمه سوى مظهره الخارجي، شاركت حاشيته كلها في إهالته بكلمات المديح، وموافقته على كل ما يقدم عليه، كذلك كان شعبه المسالم الطيب يحيه ولا يتوقف عن مدح أناقته، إلى أن يقرر نصابان النصب عليه بحياكة قماش عجيب لا يراه إلا الأذكياء والأكفاء بمناصبهم! تضرب كلمة مناصب على الوتر الحساس لكل موظف شَقى حتى يصل إلى منصبه، لكن ما يفقده بعد ذلك المنصب هو السعادة والراحة لأنه –وكما نلمس من القصة- أصبح يخاف المعارضة ويسعى للتوافق، خاصة التوافق من هم أعلى منه مرتبة فيؤثر السلامة، تقول ميتي "كثيراً ما تكون الحاجة المادية سبب هذا الخوف، فعندما تثقلنا الديون وتقل الفرص بسوق العمل، نشعر بالضعف ونؤثر السلامة"*، هذه الإستراتيجية تبعدنا عن تهمة "الغباء" –إذا اعترفنا بأننا لا نرى القماش، أي عبرنا عن أفكارنا- كما تؤكد أننا "أكفاء بالمناصب" لتشعرنا ببعض الراحة المزيفة.

أهم درس تقدمة "ملابس الأمبراطور" هو "ضرورة أن ينظر كل واحد في أجندته ليعلم هل هو المتحكم فيها أم غيره، فالحرص على التوافق يجعلنا نعيش طبقاً لأجندة أناس آخرين"*، وهنا تكمن خطورة بالغة، إذ يصبح تصبح حياة المرء محاولة لإرضاء توقعات آخرين، فنقد شيء فشيء الملامح الشخصية للفرد ونفقد لمساته الخاصة وقد يفقد معتقداته التي يؤمن بها ، يقوده إلغاء صوته الخاص وشخصيته بشكل تدريجي إلى يصاب بالإحباط الشديد بل بالخيانة إذا لم ينل الترقية التي توقعها أو لم يوافق على مشروعة المقترح لأسباب اقتصادية أو غيرها! فيتكشف أنه أضاع سنوات وسنوات من عمره وفقد نفسه، تقول ميتي"الأفضل من ذلك كله أن نستعيد أجندتنا الشخصية، أن نختار العمل الذي نعشق، العمل الذي نجيده أكثر من غيرنا، فنتيجة ذلك أن المرء يشعر أنه مسؤول بالفعل لا بالوكالة. والأهم من ذلك كله، أننا نرتقي إلى مستوى عالمي، ونجني من ذلك متعة كبيرة"*.

هكذا قدم الكتاب قصص أندرسون وتطبيقات الحكمة التي يطرحها في بيئة العمل، يبحر بك الكتاب إلى أفكار مواضيع عديدة لم تخطر ببالنا في طفولتنا أثناء مشاهدة هذه القصص على التلفاز، منها تشبيه إحساس الموظف الذي يعاني من التمييز ضده لأسبب عرقية أو دينية أو جنسية بقصة البط الدميم، ذلك البط الذي عانى الكثير بسبب تمييز وتلفتنا الكاتبة بتطبيق قصته إلى خطوة التمادي في النقد الذاتي ضرورة الارتقاء بنظرتنا إلى أنفسنا.

كتاب "البط الدميم يذهب إلى العمل" الصادر عن مكتبة كعيبان يحتوي على ست قصص تجمع بين التحذير والتحفيز للموظف قدمها الكتاب مع ست تطبيقات خاصة بكل قصة، عرضت جميعها بأسلوب شيق ممتع، وجمعت بين ما توصل إليه علم الإدارة الحديث مع قصص أندرسون للأطفال، مثيرة بذلك خيال القارئ موقظة حنين بداخله إلى أهدافه الحقيقية فـ"من المحزن أن بعض الناس يضحون بالأشياء التي يحبونها مقابل أشياء بدت لهم ذات قيمة في وقتها وما يلبثون أن يكتشفوا أنهم أجروا صفقة خاسرة*" فالساعي وراء حلمه سيحققه ويتعلم منه، وجدت في الكتاب مجموعة أفكار تستحق المناقشة في بيئة العمل وحتى في المنزل طرحت بأسلوب سلسل سهلة الاستفادة منه.

أخيراً اخترت لكم مجموعة اقتباسات من نقاط تستحق التفكير وقد جاء في خاتمة كله فصل..

• ما مشروعك الإبداعي؟ ما الأشياء التي توسع حدودك وتنميك؟

• متى كان آخر خطأ ارتكبته؟ وهل كان همك تعديل صورتك أمام نفسك؟

• ما الذي يبعثر طاقتك ويشتت انتباهك عن مصر قوتك، وما الذي ينبغي أن تقول له "لا"؟


*الاقتباسات عن كتاب البط الدميم يذهب إلى العمل لـ ميتي نورجرد، ترجمة د.شكري مجاهد

إيمان فضل

2010-04-20

مصدر الصورة

الخميس، 1 يوليو 2010

عش للعصافير و الكلمة!



لا تسألوني أي مزاج لدي! فهذه صورة آخر كتبي:)


ذهبت للنادي الثقافي لاقناء الكتاب الأول "عش للعصافير" فوجدت كتاب "الكلمة بين فضاءات الحرية وحدود المساءلة" فأخذته مع الأول!


دعوني أخبركم قليلاً عن الإصدار الرائع "عش للعصافير" لجوخة الحارثي! وهو إصدار مخطط للأطفال من عمر 3 - إلى 5 أعوام، ويحكي حكاية عبيد الذي ولا يحب غسل شعره ولا قصة -كأغلب الأطفال في عمره- وعبيد هذا طفل ذكي وحبوب كما يظهر في الرسومات!

إلى أين سيصل بإمتناعة عن قصة شعر وغسله؟


أعجبتني الحكاية، واستمتع بها أخوتي الصغار أيضاً ...للأسف نسيت هذا الموضوع في المستودات منذ أشهر! يظهر ان نسخ "عش العصافير" قد نفذت من النادي الثقافي ،، لننتظر الطبعة الثانية :)