الجمعة، 14 مايو 2010

على الرَّف: تيتانيكات أفريقيّة


“توفي اثنان من الركاب بفعل مرض مفاجئ . ظلت جثتاهما فوق سطح المركب حتى مساء اليوم السابع. ومع اليأس من عمل المحرك وعدم ظهور أي نجدة، رموهما في الماء. في الصباح ظهرتا طافيتين بجوار المركب”*في زيارتي لدار الساقي بمعرض مسقط الدولي للكتاب شدني عنوان وغلاف هذه الرواية، كما دفعني الفضول للسؤال عن الكاتب الأرتري أبو بكر حامد كهال ولم أكن قد قرأت شيء لكاتب أرتري من قبل! تجمعت لدي الأسباب لاقتناء الرواية واضعته إياها إلى جانب الطريق الطويل لإشمائيل بيه على رف مكتبتي الصغيرة، ربما لشعور داخلي يُعلمني بأن لأفريقيا قصص متصلة وهكذا كانت!أبو بكر حامد كهال روائي أرتري يقيم حالياً في ليبيا، قدم أبو بكر روايتان هما “رائحة السلاح” و “بركنتيا: أرض المرأة الحكيمة”، وتأتي هذه الرواية كثالث رواية يكتبها، كان الروائي عضواً في “جبهة تحرير إرتريا” لأعوام، كما كانت له مشاركات في معارك التحرير ضد الاحتلال الإثيوبي.كهذيان المتحضر يأتي الروائي بصوت عميق ليحكي قصة الهجرة، قصة الهروب من أرض جاعت فيها الأماني ونُحِرت الآمال، تهزك رجفة الموت ساعة بين أسطر الكتاب، ولا تشفع الأحلام بغدٍ مشرق لأصحابها حين يأتيهم الموت، تأخذك السكينة بساعة أخرى مع آمال المتطلعين لجمال القمر، الحالمين بقارة العيون زرق التي ستضم سمار أفريقيا وتحضنه.الرواية تحكي محاولة هجرة غير شرعية إلى أوروبا، يتجمع بها شباب من إرتريا وأثيوبيا والسودان والصومال وغانا وليبيريا، دول أخرى من بلدان جمعتهم القارة المقهورة السمراء ورغبتهم في حياة أكرم تدفعهم للهجرة، تكاد تكون الهجرة هي الحل الوحيد الذي يفكر فيه شباب أفريقيا للنجاة من دوامة الحياة هناك، فهل “ستغدو أفريقيا مثل خشبة مجوفة تعزف فيها الريح ألحان العدم”*؟تدور أحداث الرواية في عدد من مدن كالخرطوم وطرابلس التي تظهر في الرواية كمحطات ترانزيت لتبدل وسيلة السفر أو خطته، وفي كل مدينة يلتقي الراوي بعدد من المهاجرين وتتداخل حكاياتهم ورغباتهم في الهجرة، فنهم من نال حظه من التعليم كالصيدلي المصري الذي يبحث عن حياة أفضل، وبينهم شاعر سكنه الفن ولم يفارق غيتارة لكنه يقرر الهجرة بعد أن قتلت حبيبة –في حرب شعبية-فلم يعد يطيق ظلم بلاده، ومنهم كتم قصته وفضل الصمت حتى أنطقه هذيان الموت في سكرته الأخيرة فقال..”كنا نتشابه في كل شيء.. في السحنات .. وفي الملابس.. وحتى سلاحنا كان يشبه سلاحهم.. وكان كل منا يعرف لغة الآخر.. وحين نلتحم في الظلام بالسلام الأبيض ..كان جيشهم يقتل جيشهم وجيشنا يقاتل نفسه.. وكنا ندفن قتلانا وقتلاهم معاً، لصعوبة التمييز بيننا وبينهم وكانوا هم يفعلون الشيء ذاته..”*في رحلة الهجرة التي تبدأ بتخطي الصحراء التي تظهر بها أولى العقبات، فلم تكن حرارة الصحراء الخالية من الحياة واتساعها اللامحدود كل ما يخاف من المهاجر فقراصنة الصحراء ” الهمباتا” أضافوا خطورة أخرى فهم لا يكتفون بسلب الماء والأموال فقط بل يقتلون من يجدونهم أحياء –رغم أن العطش كفيل بذلك-، محاولة الهجرة تبدوا كرهان بين الموت والحياة، في كل محطة يصل لها المهاجر تظهر عقبات لا تبدوا أسهل من سابقتها، حتى تصل إلى طريق لا يمكنك فيه التراجع وتكاد لا تستطيع الجزم هل كان ما مررت به أشد أخطار الرحلة أم لا؟! فهل سيكون البحر الغادر أرحم من الصحراء التي لا يعرفها أحد؟ هل يحق لهم الشعور بالارتياح إذا أفلتوا من قراصنة الصحراء وهم يواجهون خطر العطش؟ “يقال أن العطش يقتل عقب الغروب مباشرة. حين ينقلب الجو ويتحول الطقس إلى البرودة أو الاعتدال، يموت العطشان”*رغم أن الإجماع على تسمية المراكب التي تقلهم إلى قارة العيون الزرقاء “تيتانيكات” نسبة إلى تيتانيك السفينة الغارقة الأشهر في التاريخ إلا أن هذه التمسيه لم تكن لتوقف وفود المهاجرين الذين تكاد نشرات الأخبار لا تتوقف عن بث خبر غرق تيتانيكاتهم وانتشال جثثهم، من كل هذه المخاطر مازالت الهجرة حلماً وكل مهاجر قصة، تحملنا الرواية إلى أجواء الهجرة بكل فيها من ألم وتردد وخوف، بكل ما تحمله من شائعات وأخبار وأساطير، وقد أجاد الكتب نقل صورته الإنسان اليائس فصور أفريقيا وكأنها تعاني من حمى الهجرة التي انتشرت انتشاراً مخيفاً بين شبابها، ويستمر نزف أفريقيا بالهجرة والحروب الأهلية ..
إيمان فضل2010-04-22


*رواية تيتانيكات أفريقية لـ أبو بكر حامد كهال عن دار الساقي.

هناك 3 تعليقات:

  1. مرحبا إيمان
    قدمت الكتاب بطريقة مذهلة ومحفزة القراءة
    وقد أضفته للقائمة خصوصا أنه يتحدث عن الهجرة الغير الشرعية إحدى المشاكل التي يواجهها مجتمعي

    ردحذف
  2. أهلا رشا..
    الكتاب مميز، يطرق باب قضية مهمة جداً لم يتطرق لها الإعلام بشكل كافي..
    أتمنى أن تستمتعي بالرواية
    اشكر تواجدك

    ردحذف
  3. قليلة هى الروايات التى تتحدث عن افريقيا لكنها رغم قلتها لم ترسم لنا صورة مكتملة من قلب تلك القارة وأجد ان نص تيتنيكات رغم أنه يتحدث عن الهجرة واسباببها إلا انه يفتقر إلى سخونة المعايشة ..وقد قرأت مؤخرا نص روائى جديد اسمه "تراب أحمر" تدور احداثه فى أفريقيا ،ورغم اختلاف القضية التى يعالجها ..لكننى احسست بمعنى ان يعايش الكاتب نصه

    ردحذف