الخميس، 22 أبريل 2010

يوم رائعٌ للموت، انتحار المثقف


“لحظة انفصلت قدماه عن الحافة انتابه الشك في قراره الأخير، لم يعد متأكداً منه كما كان منذ أقل من ثانية، فعلى الأقل لم يكن يعلم أن مشهد الفراغ الممتد من مكانه إلى غاية الرصيف سيؤثر على قلبه مثلما يفعل الآن، فيجعله ينبض نبضات متسارعة تكاد تمنع عنه الهواء
((هل أنا خائف؟)) “[1]
قد لا يكون السؤال الأهم كيف يفكر مثقف في الانتحار؟ بقدر الذي يفكر فيه لحظة انفصلت قدماه عن حافة البناء! في ماذا يفكر المنتحر؟ وهل حقاً يمر شريط حياته/ ذكرياته أمامه كفيلم سينمائي؟ وأي هذه الأحداث سيطفوا على السطح أولا؟!
يقدم الروائي الجزائي سمير قسيمي استعراضاً لما يدور في ذهن صحفي شاب “حليم بن الصادق” لحظة إقدامه على الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى عمارة، وقد اختار حليم لنفسه “يوم رائع للموت” كما عنون الكاتب بهذا اسم روايته الصادرة عن الدار العربية للعلوم والنشر. يحاول الصحفي الشاب أن يضع حداً لحياته التي لم يختر أي شيء فيها، فيقرر الموت في اليوم الذي يحدده وبالطريقة التي يختارها فـ”يجعل لحظة موته قراراً يتخذه بنفسه”.
شخصية حليم تصور شخصية المثقف الشاب الذي يصدم بالحياة الغير عادلة حيث كل شيء مزيف وينشأ في وسط فاسد تقوده غرائزه، إلا أنه رغم ذلك يحمل بعضاً من الشاعرية في أفكاره ويظهر حالماً إلى حد يرى في الموت انتصاراً على واقعه وتخليداً لذكراه، فعمد هذا المثقف “الجرنالست” إلى كتابة رسالة لنفسه يشرح فيها الأسباب التي دعته للإنتحار ويرسلها، ثم يحدث نفسه ويتصور خبر انتحاره في الصحف في اليوم التالي، وكيف ستعود قصته مرة أخرى للصحف حين تصل رسالته بعد أيام “وكأنها رسالة بعثت من قاع القبر، حملت على أجنحة الموت”.
المميز في الرواية هي الطريقة التي عرض فيها الكاتب ما يفكر به حليم خلال الثواني العشر الفاصلة بين بداية سقوطه إلى ارتطامه المُقَّدر، وخلال هذه الثواني العشر تظهر للقارئ ذكريات حليم ومشاعره وأفكاره متناقضة لحد تجعلها أحياناً غير واقعية أو مبالغ في تخيلها-كأن يستغرب ضخامة بطنه حين يرى جسده بالمقلوب-، يتذكر حليم في هذه الثواني أهم الأحداث في حياته البآئسة التي ارتبطت بعدد من الشخصيات التي تظهر في الرواية تباعاً بعدد من فصول، فتروي هذه الشخصيات من منظورها الخاص قصة خيباتها التي تصادف ارتباطها بجزء من حياة/ خيبة حليم.
تحتوي الرواية بين سطورها على حس ساخر، فحين يكون قرار حليم الأول في حياته هو إنهاء هذه الحياة! تظهر للقارئ شخصية “نبيلة” خطيبته السابقة، وتحكي كيف تعرفا ثم تحكي كيف انفصلا وهي بسخرية تبتعد صفحة إثر صفحة عن معاني اسمها، كما يظهر والد حليم ثم يظهر عمار صديقه/ النقيض له في كل شيء، فيحيك الكاتب هذه الشخصيات ويخلق ببراعة الأجواء والأماكن والشخصيات الهامشية التي ستلعب دوراً هاماً حين تشارف الرواية على الانتهاء، حيث يلعب الكاتب بمفتاح الصدفة ليجمع هذه الشخصيات ليشهدوا سقوط حليم الانتحاري، وبدقة يختم الكاتب روايته بطريقة غير متوقعة حين تتسارع الأحداث في الثواني/الصفحات الأخيرة فيصنع الكاتب منها دهشة تؤكد على براعة الكاتب.
أعجبتني هذه الرواية لاحتواءها على الحس الساخر الذي يظهر بصورة غير مباشرة في بعض الأحداث، والاستخدام المتزن للهجة الجزائرية في بعض الحوارات، كما شدني تصوير الرواية لمجتمع طاهر العلن يعشعش فيه فساد خفي في شخصيات تدعي الطهر وبينما تجاهر شخصيات أخرى بفسادها فاقدة معاني الحياء، حليم شخصية مثقفة لم يتحمل واقعه فقرر الخلاص منه، فيأخذنا في رواية قد تحبس أنفاس القارئ ليجد أنه يحمل بين يديه وجعاً يومياً حضر فيه ذكاء الكاتب بشكل قوي وملفت، فلا نتعجب دخول هذه الرواية في القائمة الطويل لجائزة بوكر العربية 2010.
إيمان فضل – مسقط
[1] عن رواية "يوم رائع للموت" لـ سمير قسيمي

هناك 3 تعليقات:

  1. رحمة ال خليفين22 أبريل 2010 في 3:18 م

    جميل جدا يا ايمان

    شوقتني لقراءة الرواية ....

    ربما سأستعيرها منك يوما ما (:

    ردحذف
  2. اهلا رحمة..
    مكتبتي في الخدمة دوماً :)

    ردحذف
  3. مروة اللواتي21 سبتمبر 2010 في 4:05 م

    تحبسين الأنفاس بوصفك
    بشوق لقرائتها (:

    ردحذف